الصفحة الرئيسية
>
قــصـــة
توبة المعتصم ورجوعه عن قتل تميم بن جميل
قال أحمد بن أبي دؤاد: ما رأيت رجلاً قط أشرف على الموت فما شغله ولا أذهله عما يريد حتى بلغه وخلصه الله - عز وجل - إلا تميم بن جميل فإني رأيته بين يدي المعتصم وقد بسط له النّطع وانتضي له السيف وكان رجلاً جسيماً وسيماً فأحب المعتصم أن يستنطقه لينظر أين منظره من مَخبره فقال له: تكلم! فقال: أما إذ أذن أمير المؤمنين فالحمد لله "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين" يا أمير المؤمنين! جبر الله بك صدع الدين ولمّ بك شعث المسلمين إن الذنوب تخرس الألسنة وتخلع الأفئدة وايم الله لقد عظمت الجريرة وانقطعت الحجة وساء الظن ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك ثم أنشأ يقول:
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ** يلاحظني من حيث ما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ** وأي امرئ مما قضى الله يفلت
وأي امرئ يدلي بعذر وحجة ** وسيف المنايا بين عينيه مصلت
وما جزعي من أن أموت فإنني ** لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ** وأكبادهم من حرها تتفتت
فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة ** أذود العدى عنهم وإن مت موتّوا
كأني أراهم حين أنعى إليهم ** وقد لطموا تلك الخدود وصوتوا
قال: فاستعبر المعتصم (اي انهمرت عبرات عينه، والعَبرات: الدموع) ثم قال: يا تميم! قد عفوت عن الهفوة ووهبتك للصبية ثم أمر به ففك حديده (أي قَيْده) وخلع عليه وعقد له على سقي الفرات.
المزيد |